هل تتسع هذه الأريكة لي؟
تخطو أولى خطواتها إلى الغُرفة العلاجية، و كان أول سؤال يتبادر إلى ذهنها هل ستتسع هذه الأريكة لي؟ كان الثقل الذي تشعر به حينها يشغل حيزاً ليس منها فقط بل حتى من المكان، كان يُشعرها بأن الأماكن كلها لا ترحب بها، يتضح لها بأنه مكان قاتم، لا بصيص شمس تخترقه، و كرسي غير قادر على الاتساع لها ولما تحمله، كانت تود أن يحتضنها المكان والكراسي وأن ينشرح صدرها من رحابة المكان،لكن تلك المَساحة بدت لها خانقة جداً.
على الرغم من أن هذا الأمر قد يبدو مجازي بالنسبة لنا، لكن للمكان الذي نجلس فيه تأثير على صحتنا العقلية بل حتى أحياناً الجسدية وهذا ما يجعلنا أعتقد نُفضّل مقهى ما للعمل فيه مقارنة بالمقاهي الأُخرى أو تفضيلنا لصالون عن الآخر أوالمكتبة عن المكاتب الأخرى وهكذا، نبحث عن شيء ما في تحديد المكان المُفضل للعمل أو للاسترخاء أو للاجتماع بأحدهم.
وهذا بالطّبع يعود كذلك على غُرف عيادات العلاج النفسي، تصميمها الدّاخلي والخارجي له دور كبير في تعزيز فاعلية العلاج النفسي وتأثيره، نلاحظ بعض المؤسسات الصحية التي تُقدم خدمات العلاج النفسي لا تأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بجمالية المكان وشراحته، وقد يكاد لا يكون حتى أمراً ثانوياً، نلاحظ أنّ خدمات الصحة النفسية تُمنح لها الغرف العلاجية والعيادات النفسية في أكثر الأماكن الغير مناسبة لتلقي العلاج، مثل الغرف الضيقة والتي لا تلمسها حتى أشعة الشمس. و على الرغم من أننا غير واعيين بذلك لكن البيئة من حولنا لها تأثير على مشاعرنا وسلوكياتنا. لذلك الغرفة العلاجية قد تؤثر على تجربة المُنتفع من الجلسات النفسية، وتؤثر أيضاً على المعالج نفسه.
يبقى هناك سؤال ما الذي يجعل بعض المراجعين بمجرد دخولهم للغرف العلاجية يشعرون بالاسترخاء والراحة؟
يؤثر مخطط الغرفة العلاجية على تصورات المستفيدين من خدمات العلاج النفسي، و تؤثر على الإحساس بالأمان و الحميمية، كما أيضاً تؤثر على الاستعداد للإفصاح عن النفس وبناء علاقة علاجية والشعور بالدافعية في هذه المساحة، في المقابل التخطيطات السيئة تؤدي إلى تفاقم المشاعر وتقلل التواصل ويصبح لدى المستفيد تجربة سيئة، بالمختصر تخطيط الغرفة له تأُثير على المزاج والسلوك والإدراك.
المساحة التي نقضي فيها معظم أوقاتنا تؤثر على الإدراك والراحة النفسية لدى المعالج والمريض، قد يُعبّر الأثاث أحياناً عن فروق القوة بين المعالج والمريض، مثلاً جودة الكرسي وارتفاعه يعبّر عن أن أحدهم لديه السيطرة على الآخر بينما في العلاج لابد أن يُلغى هذا الأمر.
يريدون المرضى مساحات علاجية تعبر عن استحقاقهم بمكان دافئ ومُريح، لذلك على المُؤسسات استغلال نقطة قوة المَكان والمَساحة لتعزيز تجربة المريض مثل الاضاءة الخافتة لتعزيز الشّعور بالهُدوء، أو الإطلالات على الطبيعة والمساحات الخضراء، فلقد أثبتت الدراسات أنه حتى لو كانت المسطحات الخضراء قليلة في المكان فإنه لها تأثير على الصحة النفسية، والمثير للاهتمام في هذه الدراسة وجدت أنه الطبيعة تزيد من التَماسك الأسري بين الأفراد والحد من الجريمة وأنّ وفرة الأشجار والطيور في النّهار وجدت أنه لها فاعلية في التقليل من معدلات الاكتئاب والقلق.
قامت الدراسات السلوكية بدراسة تأثير الأشكال والألوان في المكان حولنا وتأثيرها علينا، ففي دراسة أوضحت أن الأشخاص يُفضلون الأشكال الدائرية كالطاولات وغيرها لأنها لها تأثير على مشاعر التوازن والكمال. وفي دراسات اخرى حاولت معرفة العلاقة بين الألوان والعواطف واتضح من خلالها بأن للألوان تأثير حقا، فقد أظهرت الألوان الزرقاء أنها تبعث على الهدوء والسكينة، بينما يُنظر إليها أيضًا على أنها علامة على الاستقرار والموثوقية في العديد من الثقافات.
كما تطرقنا إليه سابقاً التّصميم الداخلي للغُرف العلاجية لها تأثير على العميل نفسه والعملية العلاجية. لذلك هناك عدة عوامل لابد من أخذها بعين الاعتبار من التخصصات التي بامكانها أن تساعد في هذا الأمر هو علم النفس الطبيعة وعلم النفس المعماري، باستطاعتهم فهم احتياجات وسلوكيات الأفراد في المكان.
لابد من التصميم الداخلي أن يكون مزيج بين التصميم الداخلي والخارجي، ودمجمهم بطريقة متناسقة مثل الدمج بين الداخل والخارج، في الخارج تقليل الضوضاء وزيادة المسطحات الخضراء. إذ أن جودة التصميم الداخلي يعزز من الشعور بالانتماء في المكان.
لا يوجد تصميم واحد للغرفة العلاجية، لكن هناك عدة نقاط يجب أخذها بعين الاعتبار أثناء التصميم للغُرف العلاجية:
اللون: استخدام ألوان فاتحة وهادِئة، مثل تدرجات اللون الرصاصي والأخضر.
أماكن الجلوس: من المحبذ أن يكون وضع الكراسي ليس مواجهاً للأخصائي بشكل مباشر. و أن تكون مريحة للظهر وكراسي ويمكن التحكم فيها، وأن لا تكون خفيفة جدا حتى يأخذ العميل راحته حين يسند ظهره دون الوقوع أثناء الحديث. ولا بد أن يكون باستطاعته النظر للباب للاحساس بالاريحية.
الطبيعة: أوجدت دراسة إضافة عنصر من عناصر الطبيعة في الغُرفة العلاجية له تأثير على الصحة العقلية للمنتفع، أو أن يكون المكان مطل على حديقة.
المواد: مثل استخدام الأرضيات الخشبية.
النوافذ: على قدر الاستطاعة وضع النوافذ مفتوحه تتسلل منها اشعة الشمس، إذ أنها تُعزز الشعور بالدِّفء والانفتاحية. فقد أوضحت دراسة أن ضوء النهار الطبيعي يؤثر بشكل إيجابي على الحالة المزاجية والإنتاجية ومستويات التوتر، لذلك علينا ضمان حصول كل مساحة علاجية على وصول كافٍ إلى ضوء النهار الطبيعي.
إضاءة مناسبة: من الجيد إعطاء المجال للمنتفع اختيار شدة الضوء التي تناسبه داخل العيادة، سيكون من الأفضل لو كان باستطاعته التحكم بالضوء. هذا سيعزز لديهم أهمية احتياجاتهم، ويصبح للعميل القدرة في التّعبير في عن احتياجاته في المكان.
الخصوصية: التأكد من ان لا أحد باستطاعته الاستماع الى ما يتم الحديث عنه في غرفة العلاج. التأكد من أن مداخل ومخارج العيادة بعيدة عن المكاتب، أو استخدام اجهزة خارج المكتب تصدر ضوضاء بيضاء.
أثاث يتناسب مع العمر: بناء على من أكثرهم يرتاد العيادات لابد من توفير أثاث يتناسب مع مختلف الأعمار.
استخدام اثاث ناعم وسجادات تعزز الشعور الإحساس بالدفء والراحة.
المشتتات الإيجابية: ضع بعض "المشتتات" الجيدة أن تساعد العميل من خلال السماح له أو لها بالراحة من مناقشة بعض الموضوعات غير المريحة عاطفياً. يمكنهم تحويل تركيزهم إلى قطعة من الأعمال الفنية الهادئة ، أو نافورة منضدية مهدئة ، أو مكان هادئ بعيدًا عن مساحة العلاج ، أو حتى ألعاب مريحة. يمكن أن يؤدي الحديث عن الأمور ذات الأهمية إلى الشعور بالضعف ، وقد يكون من المفيد للعملاء أخذ قسط من الراحة بين الحين والآخر.
التخصيص: يمكن لبعض العناصر الشخصية ، مثل التذكارات الصغيرة أو أوراق اعتماد المعالج أن تكون مطمئنة للعميل. ومع ذلك، فمن الأفضل الحفاظ على التخصيص إلى الحد الأدنى، لمساعدة العميل على الشعور بأنه "في المنزل" داخل المساحة ، وليس كزائر.
أما التصميمات التي لابد من تجنبها:
المساحات مغلقة: الامتناع عن استخدام المساحات "الشبيهة بالسجن" ذات الأسطح الصلبة وبدون نوافذ. يمكن أن تُمثل مثل هذه الغرف على عقوبة أو تجعل العملاء يشعرون بأنهم غير قادرين على الهروب.
الفوضى: الحفاظ على المساحة العلاجية مرتبة وأنيقة يساعد في الحفاظ على الشعور بالهدوء والنظام.
المثيرات المحتملة: قد يساهم العمل الفني الذي يصور عن غير قصد الحزن أو العنف أو الموت في الشعور بالضعف أو إثارة مشكلات أخرى التي يعاني منها العميل.
مقاعد ثابتة: اسمح للعميل بتعديل ترتيب الجلوس لمنحه إحساسًا بالاستقلالية. قد يشعر العملاء أيضًا بعدم الارتياح إذا بدا أن الكرسي مصنوع من مواد قاسية أو تم تصميمه ليكون أعلى من كرسيهم. هذا يمكن أن يجعل العميل يشعر بالنقص وأنه غير مقبول.
إهمال غرفة الانتظار: أشارت الدكتورة Liddicoat-Ocampo إلى أن تخطيطات غرفة الانتظار مهمة أيضًا. قد يزيد التصميم السيئ من قلق العميل ويمكن أن يعطي انطباعًا مقلقًا بأن الفرد لن يحصل على مستوى رعاية كافية. يجب أيضًا دمج المجالات الإدارية مثل الاستقبال وحفظ السجلات بطريقة لا تؤثر سلبًا على فترة انتظار العميل.
وأخيرا، نصيحة التصميم الأخيرة: ضع لمستك!
دع أجزاء من شخصيتك تظهر لأن هذه العناصر ستساعدك في مساحتك على شعورك وكأنك في منزلك. لا تتردد في الحصول على بعض كتبك المفضلة، وهدايا السفر التذكارية، والقطع التي تضيف لمسة من الفكاهة المناسبة للعرض في مكتبك. سيشعر عملائك بأنك إنسان حقيقي و لا تحاول إخفاء هويتك.
تعليقات
إرسال تعليق